توقير أهل البيت وقار له صلى الله عليه وسلم

توقير أهل البيت وقار له صلى الله عليه وسلم

العمل بتوقير أهل البيت يظهر في العفو عن مسيئهم لوجهه صلى الله عليه وسلم من ذلك مافعله الإمام مالك رحمه الله إذ جلده جعفر بن سلمان وطاف به في أسواق المدينة لعدم خضوعه لرغبته السياسية.
ولما عرض عليه الخليفة أبو جعفر المنصور القود منه امتنع وقال والله إني جعلته في حل كلما رفع صوته عني لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك الإمام أحمد رضي الله عنه لما امتحن في قضية خلق القرآن فجلد وسجن وقال مثل مقالة مالك في العفو عمن فعل به ذلك.

ولهذا التوقير المذكور نظائر كثيرة مذكورة في حق أهل وغيرهم وإليك منها ماجاء في جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي والنسب العلي للإمام جمال الدين عبد الله السمهودي الحسني مانصه: ومن العجب أن أبا المحاسن نصر الله بن عين الشاعر توجه إلى مكة المكرمة، ومعه مال وقماش، وفخرج إليه بنو الأشراف المقيمون بواد الصفراء فأخذوا ماكان معه وجرحوه فكتب قصيدة إلى الملك العزيز طفتكين بن أيوب التركي صاحب اليمن، وقد كان أخوه الملك الناصر أرسل إليه يطلبه ليقيم بالساحل المفتتح من الإفرنج، فزهده ابن عين في الساحل ورغبه في اليمن وحرضه على الأشراف المذكورين بقصيدة بعثها إليه مطلعها:

أغنت صفات نداك المصـنع اللسنا *** وحزت في الجود فخر الحسين والحسنا
وما تريد بجسـم لا حـياة لــه *** من خلص الزبـد ما أبقى لـك اللبنا
ولا تقل ساحل الإفـرنج أفتحـه *** فما يســــاوي إذ قايسته عـدنا
وإن أردت جهاداً فاذن سيفك من *** قــوم أضاعـوا فروض الله والسننا
طهر بسيفك بيت الله من دنس *** ومــا أحاط به من خـمسة وخـنا
ولا تقل إنهـم أولاد فاطــمة *** لـو أدركـوا آل حرب حاربوا الحسنا

فلما نظم هذه القصيدة رأى في نومه سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها وهي تطوف بالبيت وسلم عليها فلم تجبه، وتضرع إليها وتذلل لها وسألها عن ذنبه الذي أوجب ذلك فأنشدته رضي الله عنها:

حاشا بني فاطمة كلـهم *** من رجس بغيض أو جـنا
وإنما الأيام في غدرهـا *** وفعلها السوء اساءت بـنا
فتب إلى الله فمن يقترف *** إثماً بنا لا يأمن ممـا جنـا
أئن ساء من ولدي واحد *** يجعل كل السوء عمداً لنا
فأكرم بعين المصطفى أحمد *** ولاتهن من أهـله أعينـا
فكل مانالك منهم غـدا *** تلقى به في الحشر منا منى

قال فانتبهت من نومي فزعاً وقد أكمل الله عافيتي مما كنت أجده من ألم الجراح والمرض، فكتبت الأبيات وحفظتها، وتبت إلى الله تعالى مما قلت، وقطعت تلك القصيدة وقلت في أخرى:

عذراً إلى بيت نبي الهدى
تصفح عن ذنب مـحب جنا
وتوبة مقـبـولة من أخي
مـقالة توقعة في العنـا
والله لو قطعني واحد
منهم بسيف البغي أو بالقنا
م أر مـا يفعل الله سيئا
بل انه في الفعل قد أحسنا

هذه أقوالهم رحمهم الله فإن صحت الرؤيا كانت كرامة لصاحبها ومنقبة عظيمة لأهل البيت النبوي مع جدتهم البتول فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ويستفاد منها كرامة الأولياء بعد موتهم والرد على من أنكر ذلك، ويستفاد منها أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيشمل بعظمه وشفاعته كل من أتاه متظلماً من أولاد فاطمة.